د. خالد سعيد: كاتب وباحث في الشئون الإسرائيلية والترجمة من اللغة العبرية
يومًا تلو الآخر، ترتفع الأصوات الإسرائيلية المنادية بضرورة مناقشة "اليوم التالي" للحرب على قطاع غزة، وهي الدعوات التي يرفضها نتنياهو، تخوفًا من دخوله في حالة "اللاعودة".
وسائل الإعلام المنشورة باللغة العبرية تنشر بين ساعة وأخرى أخبار وتقارير تفيد بوجود خلافات عميقة بين أركان القيادات السياسية والعسكرية داخل مقر "الكرياه" (مقر وزارة الدفاع وقادة الأذرع الاستخباراتية) في تل أبيب، أبرزها ظهور نتنياهو، غير مرة، في مؤتمر صحفي بمفرده، دون مشاركة من غالانت وغانتس.
يمنع "بيبي" (نتنياهو) مشاركة قادة الأذرع المخابراتية في أي نشاط عملياتي في غزة، أو بعضها، على الأقل، ويمتنع عن بحث ملف اليوم التالي لحماس في القطاع، رغم تواتر الدعوات والتحليلات السياسية والعسكرية للواقع على الأرض، والتي تمنحه المزيد من الخيارات، التي لا تزال في جعبة الجيش الإسرائيلي للحفاظ على كرامته أمام فصائل المقاومة الفلسطينية.
من بين تلك الدعوات تشكيل تحالف عربي مشترك من الدول المطبَّعة مع إسرائيل، بالإضافة إلى دولة خليجية ثرية ، من أجل تولي حكم غزة بعد الحرب التي لا يرغب نتنياهو في إنهائها سوى بانتصار يُحسب له ولحكومته اليمينية المتشددة؛ إذ ترغب هذه الدعوات في إلقاء عبء القطاع على الدول العربية المعتدلة، بين السيطرة على غزة وإعادة إعمارها وتولي زمام الأمور فيها، بل ومحاولة نزع سلاح المقاومة في القطاع، أيضًا؛ وهي دعوات ترفضها، دومًا، حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية بوجه عام، حيث تنادي بـ"فلسطينية" القطاع.
كثير من السياسيين والمعلقين العسكريين الإسرائيليين، وعلى رأسهم باراك، رئيس الوزراء السابق، يرون في تلك القوة العربية المشتركة، وعلى رأسها تلك الدولة الخليجية ـ من أجل التمويل قطعًا ـ الحل الأنجع لمشكلة "اليوم التالي" للحرب على غزة.
بالتوازي مع ذلك يبرز خيار آخر ممثلا في مجئ حكومة تكنوقراط من الفلسطينيين لتحكم الضفة وغزة معًا، كبداية لوقف الحرب على القطاع، وبعدها تولي زمام الأمور في غزة بعيد الانسحاب الإسرائيلي منها، وربما يلقى هذا الخيار قبولا لدى الجانب الإسرائيلي، خاصة وأنه سيتحمل عبء المسئولية عن القطاع، إلا إن حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى نفسها رفضت هذا المقترح، والذي يأتي من منطلق القوة التي فرضت نفسها في غزة، بعدما كسرت تلك المقاومة قوة الردع "الصهيونية" واخترقت الحاجز الذي لطالما تمناه الكثيرون حول العالم.
لم يأت هذا الاقتراح من فراغ، فقد سبقته حوادث مشابهة، فبينما جاء أحمد الجلبي على رأس "مجلس حكم" فوق ظهور الدبابات الأمريكية ليحكم العراق ويسد الفراغ السياسي في بغداد، بعد سقوط صدام حسين، فإن البعض داخل الكيان الإسرائيلي يرى أنه من الأنجع لبلادهم مجئ "جلبي" آخر لإدارة قطاع غزة، في "اليوم التالي" للحرب، على أن تكون شخصية مختارة ومنتقاه بعناية من الفلسطينيين الذين تعلموا في الخارج، ويأتي ليدير مجلس حكم من التكنوقراط.
أضحى "الجلبي" مثالا ناجحًا لسياسات المعارضة لحكم البعض في بلادهم، حيث يزَّين حكمه في القطاع بالتنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، ووأد أي مقاومة فلسطينية في غزة، بل ونزع أسلحة المقاومة، في الأساس.
الشاهد أن المقاومة الفلسطينية ككل رفضت وسترفض، لفترة ما، مثل هذا الاقتراح، خاصة وأنها تكبدت خسائر بشرية ومادية في غزة، طوال عمر الحرب الدائرة على القطاع، والتي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي، رغم اعترافنا بمدى نجاحهم وقدرتهم على إيلام الجيش الإسرائيلي، وتصدير الرعب والخوف والقلق لدى المستعمرين الصهاينة في الداخل الفلسطيني المحتل، ما يعني رفع سقف مطالب تيارات المقاومة بوجوب إدارة القطاع بأنفسهم دون سواهم.
والثابت أنه كلما تعمقت آليات الجيش الإسرائيلي في مدن وبلدات القطاع، كلما تذوق الإسرائيليون مرارة الهزيمة أكثر فأكثر، وهو ما يعترف به المحللون السياسيون والمعلقون العسكريون من الجانب الإسرائيلي نفسه؛ ما يعني أن تل أبيب ستطرح بين برهة وأخرى سيناريوهات جديدة بشأن إلقاء تبعية غزة، في وقت ينتظر المعتدلون العرب إشارة الإدارة الأمريكية حول أي من الخطط الأكثر قوة وتأثيرًا لتولي زمام الأمور في القطاع في اليوم التالي للحرب على غزة.